فصل: السنة الحادية عشرة من ولاية مسلمة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة الحادية عشرة من ولاية مسلمة

وهي سنة ثمان وخمسين‏:‏ فيها غزا عقبة بن نافع من قبل مسلمة بن مخلد القيروان واختط عقبة مدينة ا لقيروان وابتناها‏.‏

وفيها توفيت أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما فقيهة نساء هذه الأمة وكنيتها أم عبد الله التيمية دخل بها النبي صلى الله عليه وسلم في شوال بعد بدر ولها من العمر تسع سنين وهي أحب نساء النبي صلى الله عليه وسلم إليه بعد خديجة روى عنها جماعة كثيرة من الصحابة‏.‏

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ‏"‏ وقالت‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا‏:‏ ‏"‏ يا عائشة هذا جبريل يقرئك السلام ‏"‏ فقالت‏:‏ عليه السلام ورحمة الله وبركاته ترى ما لا أرى‏.‏

وعن عائشة‏:‏ أن جبريل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ هذه زوجتك في الدنيا والآخرة‏.‏

رواه الترمذي وحسنه‏.‏

قلت‏:‏ وفضل ومناقب عائشة كثيرة وكانت وفاتها في شهر رمضان وقال الواقدي‏:‏ في ليلة سابع عشر رمضان ودفنت بالبقيع ليلًا فلم تر ليلة أكثر ناسًا منها وصلى عليها أبو هريرة وماتت ولها ست وستون سنة رضي الله عنها‏.‏

وفيها عزل معاوية الضحاك بن قيس عن الكوفة وأستعمل عوضه عبد الرحمن بن عبد الله الثقفي وهو ابن أم الحكم وهو ابن أخت معاوية وفي عمله في هذه السنة خرجت الخوارج الذين كان المغيرة بن شعبة حبسهم فجمعهم حيان بن ظبيان السلمي ومعاذ بن جوين الطائي فخطباهم وحثاهم على الجهاد فبايعوا حيان بن ظبيان وخرجوا إلى بانقيا فسار الجيش إليهم من الكوفة فقتلوهم جميعًا ثم إن عبد الرحمن بن أم الحكم طرده أهل الكوفة لسوء سيرته فلحق بخاله معاوية فولاه مصر فاستقبله معاوية بن حديج على مرحلتين من مصر فقال‏:‏ ارجع إلى خالك فلا تسر فينا سيرتك في إخواننا أهل الكوفة‏.‏

فرجع إلى معاوية ثم توجه ابن حديج إلى معاوية في السنة يعاتبه كما نذكره إن شاء الله تعالى بعد وفاة أبي هريرة‏.‏

وفيها توفي أبو هريرة وقيل في التي بعدها والأكثر على أن وفاته في هذه السنة‏.‏

وفي اسم أبي هريرة واسم أبيه أقوال كثيرة‏.‏

قال أبو عبد الله الذهبي‏:‏ أشهرها عبد الرحمن بن صخر وكان اسمه قبل الإسلام عبد شمس‏.‏

وقال‏:‏ كناني أبي بأبي هريرة لأني كنت أرعى غنمًا فوجدت أولاد هرة وحشية فأخذتها فقال‏:‏ أنت أبو هريرة‏.‏

وهو من المكثرين من الصحابة وهو دوسي ودوس‏:‏ قبيلة من الأزد ومات وله ثمان وسبعون سنة‏.‏

وفيها وفد معاوية بن حديج على معاوية بن أبي سفيان الخليفة وكان إذا قدم معاوية على معاوية زينت له الطرق بقباب الريحان تعظيمًا لشأنه فدخل على معاوية وعنده أخته أم الحكم فقالت‏:‏ من هذا يا أمير المؤمنين فقال‏:‏ بخٍ بخٍ‏!‏ هذا معاوية بن حديج فقالت‏:‏ لا مرحبًا أسماعك بالمعيدي خير من أن تراه فسمعها معاوية بن حديج فقال‏:‏ على رسلك يا أم الحكم والله لقد تزوجت فما أكرمت وولدت فما أنجبت أردت أن يلي ابنك الفاسق علينا فيسير فينا كما سار في أهل الكوفة‏!‏ ما كان الله ليريه ذلك ولو فعله لضربناه ضربًا يطأطىء منه ولو كره هذا القاعد يعني خاله معاوية فالتفت إليها معاوية وقال لها‏:‏ كفي فكفت عن الكلام‏.‏

وفيها توفي عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب أحد الأجواد وله صحبة ورواية‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعان وأربعة عشر إصبعًا‏.‏

وفي درر التيجان‏:‏ وأربعة وعشرون إصبعًا مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعًا وأحد عشر إصبعًا‏.‏

السنة الثانية عشرة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة تسع وخمسين‏:‏ فيها شتى عمرو بن مرة بأرض الروم في البر‏.‏

وفيها حج بالناس الوليد بن عتبة وقيل عثمان بن محمد بن أبي سفيان‏.‏

وكثر القتل بين الفريقين حتى حجز الليل بينهم وانحاز المسلمون من ليلتهم فنزلوا جبلًا في قيلة بولس ثم عاودوهم وصالحوهم على أن يخلوا لهم الجزيرة‏.‏

ثم افتتح أبو المهاجر المذكور ميلة وكانت إقامته بها في هذا الغزو نحوًا من سنتين وفيها توفي عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس القرشي العبشمي أبو عبد الرحمن‏.‏

قال الذهبي‏:‏ رأى النبي صلى الله عليه وسلم وله حديث وهو‏:‏ ‏"‏ من قتل دون ماله فهو شهيد ‏"‏ وروى عنه حنظلة بن قيس‏.‏

وأسلم والده يوم الفتح‏.‏

وفيها توفي مرة بن كعب البهزي السلمي‏.‏

له صحبة‏.‏

وفيها توفي سعيد بن العاص بن أبي أحيحة بن سعيد بن العاص بن أمية أمير الكوفة لعثمان وكان فصيحًا سخيًا ولد بعيد الهجرة وهلك أبوه يوم بدر‏.‏

وفيها توفي شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدري حاجب الكعبة ابن أخت مصعب بن عمير شهد خيبر كافرًا ونيته اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم ثم أسلم يومئذ‏.‏

وفيها توفي أبو محذورة وأسمه الياس وقيل سمرة بن معير الجمحي مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم وكان من أندى الناس صوتًا‏.‏

وخرجت هذه السنة والوالي على الكوفة النعمان بن بشير وعلى البصرة عبيد الله بن زياد وعلى المدينة الوليد بن عتبة وعلى خراسان عبد الرحمن بن زياد وعلى سجستان عباد بن زياد وعلى كرمان شريك بن الأعور‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاثة أذرع وسبعة عشر إصبعًا‏.‏

وفي كتاب درر التيجان‏:‏ وسبعة وعشرون إصبعًا مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وأحد عشر إصبعًا‏.‏

السنة الثالثة عشرة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة ستين‏:‏ فيها توفي الخليفة أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان - واسم أبي سفيان‏:‏ صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس أبو عبد الرحمن القرشي الأموي وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة وأسلم معاوية قبل أبيه في عمرة القضاء وبقي يخاف من الخروج إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أبيه ولي إمرة الشام لعمر ثم لعثمان ثم نازع عليًا الخلافة حتى وليها من بعده في سنة أربعين من الهجرة بعد موت علي بن أبي طالب وبعد أن سلم إليه الحسن بن علي الأمر بعد أمور وقعت مع علي وابنه الحسن رضي الله عنهما‏.‏

قال الذهبي‏:‏ وأظهر إسلامه يوم الفتح وكان رجلًا طويلًا أبيض جميلًا مهيلًا إذا ضحك انقلبت شفته العليا وكان يخضب بالصفرة‏.‏

قلت‏:‏ وهو كاتب النبي صلى الله عليه وسلم وأخو زوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان المقدم ذكرها‏.‏

وكانت وفاة معاوية في شهر رجب وله سبع وسبعون سنة وتولى ابنه يزيد الخلافة من بعده‏.‏

وفيها كانت غزوة مالك بن عبد الله سورية‏.‏

وفيها أيضًا كان دخول جنادة رودس وهدم بيوتها في قول بعضهم‏.‏

وفيها توفي أبو عبد الرحمن بلال بن الحارث المزني الذي أقطعه النبي صلى الله عليه وسلم معادن القبلية‏.‏

عاش ثمانين سنة‏.‏

وفيها توفي أبو حميد الساعدي المدني الصحابي أحد من نزل البصرة من الصحابة وهو الذي وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وفيها توفي سمرة بن جندب الصحابي الفزاري‏.‏

وفيها حج بالناس عمرو بن سعيد الأشدق وكان العامل على مكة والمدينة‏.‏

وفيها توفيت الكلابية التي استعاذت من النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها ففارقها وكان أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ستة أذرع وعشرون إصبعًا مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وثلاثة أصابع‏.‏

السنة الرابعة عشرة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة إحدى وستين‏:‏ فيها كانت مقتلة السيد الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ريحانة النبي صلى الله عليه وسلم وابن بنته فاطمة بكربلاء في يوم عاشوراء وقصته طويلة يجرح ذكرها القلوب غير أننا نختصر منها ما نعرف به وفاته وكيفية خروجه حتى ظفر به‏.‏

وهو أنه لما ولي يزيد بن معاوية الخلافة بعد موت أبيه بايع الناس السيد الحسين بالخلافة وخرج في جموعه بعد أن خلع الفاسق يزيد المذكور من الخلافة فانتدب لقتاله بأمر يزيد ابن مرجانة أعني عبيد الله بن زياد وقاتله حتى ظفر به وقتله بعد أمور وحروب‏.‏

وكان قاتل الحسين رضي الله عنه الشمر اللعين الطريد من رحمة الله قتله بكربلاء‏.‏

وقتل مع الحسين من إخوته لأبيه جعفر وعتيق ومحمد والعباس الأكبر بنو علي وابن الحسين الأكبر علي وهو غير علي زين العابدين وابنه عبد الله وابن أخيه القاسم بن الحسن ومحمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وأخوه عون‏.‏

وقتل معه أيضًا عبد الله وعبد الرحمن ابنا مسلم بن عقيل رضي الله عنهم أجمعين‏.‏

ولما جيء برأس الحسين إلى عبيد الله بن زياد جعل ينكت بقضيب على ثناياه وقال‏:‏ إن كان لحسن الثغر‏!‏ فقال له أنس‏:‏ لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل موضع قضيبك من فيه‏.‏

ثم بعث بالرأس إلى يزيد بن معاوية فلما حضروا برأس الحسين عند يزيد أنشد‏:‏ الطويل نففق هامًا من أناس أعزةٍ علينا وهم كانوا أعق وأظلما وفيها توفي عثمان بن زياد ابن أبيه أخو عبيد الله بن زياد المذكور مات شابًا وسنه ثلاث وثلاثون سنة‏.‏

وفيها توفيت أم المؤمنين أم سلمة واسمها هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومية زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وهي بنت عم أبي جهل وبنت عم خالد بن الوليد‏.‏

بنى بها النبي صلى الله عليه وسلم في سنة ثلاث من الهجرة وكانت قبله عند الرجل الصالح أبي سلمة بن عبد الأسد وهو أخو النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ من الرضاعة ‏"‏ وكانت من أجمل النساء وطال عمرها وعاشت تسعين سنة وأكثر وهي آخر أمهات المؤمنين وفاة وقد حزنت على الحسين وبكت عليه كثير‏.‏

وفيها توفي حمزة بن عمرو الأسلم المدني الذي له صحبة‏.‏

وفيها حج بالناس الوليد بن عتبة‏.‏

وفيها توفي جابر بن عتيك الأنصاري وقيل جبر وله إحدى وتسعون سنة وشهد بدرًا‏.‏

وفيها توفي علقمة بن قيس النخعي صاحب عبد الله بن مسعود على خلف في وفاته‏.‏

وفيها توفي خالد بن عرفطة العذري الصحابي له صحبة ورواية روى عنه عبد الله بن يسار وأبو إسحاق‏.‏

وكان ولي الكوفة لزياد ابن أبيه‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم سبعة أذرع وستة أصابع مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وأربعة أصابع‏.‏

وفي درر التيجان وثمانية أصابع‏.‏

السنة الخامسة عشرة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة اثنتين وستين‏:‏ وهي التي مات فيها مسلمة بن مخلد صاحب الترجمة‏.‏

وفيها توفي أبو مسلم الخولاني اليماني الزاهد سيد التابعين بالشأم واسمه عبد الله بن ثوب وقيل ابن عبيد وقيل ابن مشكم وقيل اسمه يعقوب بن عوف‏.‏

قدم المدينة من اليمن في خلافة أبي بكر الصديق وكان أسلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وفيها ولى عبيد الله بن زياد أمير العراق المنذر بن الجارود العبدي على السند‏.‏

وفيها غزا سالم خوارزم فصالحوه على مال‏.‏

وفيها حج بالناس عثمان بن محمد بن أبي سفيان بن حرب وقال ابن الأثير‏:‏ الوليد بن عتبة‏.‏

وفيها توفي علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك أبو شبل النخعي الكوفي الفقيه المشهور خال إبراهيم النخعي قال الذهبي‏:‏ أدرك الجاهلية وسمع عمر وعثمان وعليًا وابن مسعود وأبا الدرداء وسعد بن أبي وقاص وعائشة وجماعة أخر‏.‏

وقد ألقاه الأسود الكذاب في النار فلم تضره‏.‏

قاله إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم‏.‏

قلت‏:‏ الأسود الذي كان ادعى النبوة‏.‏

وفيها ولد محمد بن علي بن عبد الله بن عباس والد السفاح والمنصور‏.‏

وفيها توفي بريدة بن الحصيب الأسلمي الصحابي مات بمرو وكان أسلم قبل بدر‏.‏

وفيها توفي عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم له صحبة وأخرج له مسلم‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمسة أذرع وثلاثة أصابع مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وأربعة أصابع‏.‏

ذكر ولاية سعيد بن يزيد على مصر هو سعيد بن يزيد بن علقمة بن يزيد بن عوف الأزدي أمير مصر من أهل فلسطين‏.‏

ولي إمرة مصر بعد موت مسلمة بن مخلد من قبل يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ودخلها في مستهل شهر رمضان سنة اثنتين وستين من الهجرة‏.‏

وتلقاه أهل مصر ووجوه الناس وفيهم عمرو بن قحزم الخولاني فلما رآه قال‏:‏ يغفر الله لأمير المؤمنين أما كان فينا مائة شاب كلهم مثلك يولي علينا أحدهم‏!‏ ثم دخلوا معه‏.‏

ولم يزل أهل مصر على الشنآن له والإعراض عنه والتكبر عليه حتى توفي يزيد ابن معاوية ودعا عبد الله بن الزبير الناس لبيعته وقامت أهل مصر بدعوته وسار منهم جماعة كثيرة إليه فبعث عبد الله بن الزبير عبد الرحمن بن جحدم أميرًا على مصر واعتزل سعيد المذكور فكانت ولايته سنتين إلا شهرًا واحدًا‏.‏

وقال صاحب كتاب البغية والاغتباط فيمن ملك الفسطاط‏:‏ ولاه يزيد بن معاوية على صلاة مصر فقدمها في استهلال شهر رمضان سنة اثنتين وستين فأقر عابسًا على الشرطة ثم ساق نحوًا مما قلناه إلى أن قال‏:‏ وكانت مدته على مصر سنتين وأشهر‏.‏

قلت‏:‏ وفي مدة هاتين السنتين وقع له حروب كثيرة شرقًا وغربًا فأما من جهة الشرق فكانت الفتن ثائرة بين ابن الزبير وبين الأموية حتى قدم ابن جحدم إلى مصر وملكها منه ودعا بها لابن الزبير هذا مع الفتن التي‏.‏

كانت ببلاد المغرب من خروج كسيلة البربري وتجرد بسببه غير مرة إلى برقة وغيرها‏.‏

وأمر كسيلة البربري أنه كان أسلم لما ولي أبو المهاجر إفريقية وحسن إسلامه فكان من أكابر البربر وصحب أبا المهاجر‏.‏

فلما ولي عقبة بن نافع إفريقية عرفه أبو المهاجر محل كسيلة وأمره بحفظه فلم يقبل واستخف به‏.‏

وأتى عقبة بغنم فأمر كسيلة بذبحها وسلخها مع السلاخين فقال كسيلة‏:‏ هؤلاء غلماني يكفونني د فشتمه عقبة وأمره بسلخها ففعل فنصح أبو المهاجر فلم يسمع فقال‏:‏ وإن كان لا بد فأوثقه فإني أخاف عليك منه‏.‏

فتهاون به عقبة فأضمر كسيلة الغدر‏.‏

فلفا كان الآن ورأى القوم قلة مع عقبة توثب وكان في عسكر عقبة جماعة وافقوا كسيلة ثم راسلته الروم فأظهر كسيلة منذ ذلك ما كان أضمر وجمع أهله وبني عمه وقصد عقبة فقال أبو المهاجر لعقبة‏:‏ عاجله قبل أن يقوى جمعه وكان أبو المهاجر موثقًا في الحديد مع عقبة فزحف عنه عقبة إلى كسيلة فتنحى كسيلة عن طريقه ليكثر جمعه ويتعب عقبة فلما رأى أبو المهاجر ذلك تمثل بقول أبي محجن الثقفي‏:‏ الطويل كفى حزنًا أن تطعن الخيل بالقنا وأترك مشدودًا علي وثاقيا إذا قمت عناني الحديد وأغلقت مصارع من دوني تصم المناديا فبلغ عقبة ذلك فأطلقه وقال له‏:‏ الحق بالمسلمين فقم بأمرهم وأنا أغتنم الشهادة فلم يفعل وقال‏:‏ وأنا أيضًا أريد الشهادة فكسر عقبة والمسلمون أجفان سيوفهم وتقدموا إلى البربر وقاتلوهم حتى قتل المسلمون جميعهم ولم يفلت منهم أحد وأسر محمد بن أوس الأنصاري في نفر يسير فخلصهم صاحب قفصة وبعث بهم إلى القيروان فعزم زهير بن قيس البلوي على القتال فلم يوافقه جيش الصنعاني وعاد إلى مصر وتبعه أكثر الناس من العساكر المصرية من جند سعيد صاحب مصر فاضطر زهير إلى العود معهم فسار إلى برقة وأقام بها وبعث يستمد المصريين ووقع له أمور إلى أن ملك إفريقية في سنة تسع وستين‏.‏

وأما كسيلة فاجتمع إليه جميع أهل إفريقية وقصد القيروان وبها أصحاب الأنفال والذراري من المسلمين فطلبوا الأمان من كسيلة فآمنهم ودخل القيروان واستولى على إفريقية وأقام بها من غير مدافع إلى أن قوي أمر عبد الملك بن مروان وندب زهيرًا ثانية وأمده بالعساكر حتى استولى على إفريقية ودعا بها لعبد الملك بن مروان‏.‏

وكان زهير بن قيس المذكور في هذه المدة مرابطًا ببرقة ومن ولي من أمراء مصر يعضده إلى أن كان ما كان‏.‏

ولاية سعيد بن يزيد على مصر وهي سنة ثلاث وستين‏:‏ وفيها غزا عقبة بن نافع القيروان وسار حتى دخل السوس الأقصى وغنم وسلم ورد من القيروان فلقيه كسيلة النصراني فدافعه عقبة بمن معه فاستشهد عقبة بن نافع المذكور في الوقعة وأبو المهاجر مولى الأنصار وعامة أصحابهما‏.‏

ثم سار كسيلة فخرج لحربه زهير بن قيس البلوي خليفة عقبة على القيروان وواقعه فانهزم زهير إلى برقة وأقام بها سنين إلى أن ندبه عبد الملك بن مروان لقتاله ثانيًا فتوجه إليه وواقعه فقتل اللعين كسيلة وهزم جنوده وقتلت منهم مقتلة عظيمة وقد مر ذلك كله في أول الترجمة مفصلًا‏.‏

وفيها بعث سلم بن زياد ابن أبيه طلحة بن عبد الله الخزاعي واليًا على سجستان وأمره أن يفدي إخاه من الآسر ففداه بخمسمائة ألف وأقدمه على أخيه‏.‏

وفيها كانت وقعة الحرة على باب طيبة وهو أن يزيد بن معاوية بعث إليها جيشًا عليهم مسلم بن عقبة المري حين خالفوا عليه وأمره بهتك حرمة المدينة وكان مع مسلم اثنا عشر ألفًا فوصل مسلم المذكور إلى المدينة وفعل فيها ما لا يفعله مسلم فإنه قتل في هذه الوقعة خلقًا من المهاجرين والأنصار وانتهكت حرمة المدينة وآنتهبت وآفتضت فيها ألف عذراء واستشهد فيها عبد الله بن حنظلة الغسيل في ثمانية من بيته وله صحبة ورواية وقتل فيها أيضًا معقل بن سنان الأشجعي صبرًا وأستشهد أيضًا عبد الله بن زيد بن عاصم المازني النجاري وله صحبة ورواية وأستشهد فيها أيضًا أفلح مولى أبي أيوب ومحمد بن عمرو بن حزم الأنصاري‏:‏ ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ومحمد بن ثابت بن قيس بن شماس‏:‏ حنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم بريقه ومعاذ بن الحارث الأنصاري أبو حليمة القاري الذي أقامه عمر يصلي التراويح في شهر رمضان وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله ست سنين - ومحمد بن أبي الجهم بن حذيفة ومحمد بن أبي حذيفة العدوي كل هؤلاء قتلوا يومئذ وهذا مما اختصرته من مقالة الذهبي‏.‏

وقد ذكر هذه الواقعة أيضًا أبو المظفر وساق فيها أمورًا شنيعة إلى الغاية وفيما ذكرناه كفاية يعرف منها حال مسلم بن عقبة المذكور‏.‏

ويكفيك أنه من يومئذ سمي مسلم المذكور مسرف بن عقبة‏.‏

وقيل‏:‏ إنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم يأتي ذكر ذلك في وفاته قريبًا‏.‏

انتهى أمر مسرف بن عقبة‏.‏

وقال خليفة‏:‏ جميع من أصيب من قريش والأنصار يوم الحرة ثلاثمائة وستة رجال ثم سرد أسماءهم في ثلاث أوراق‏.‏

وفيها توفي مسروق بن الأجدع واسم الأجدع عبد الرحمن بن مالك بن أمية أبو عائشة الهمداني ثم الوداعي الكوفي مخضرم أعني أنه ولد في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم بعد ذلك وسمع أبا بكر وعمر وعثمان وغيرهم‏.‏

وممن قتلوا أيضًا في الحرة زيد بن عاصم وليس هو بصاحب الأذان ذاك زيد بن ثعلبة والزبير بن عبد الرحمن بن عوف‏.‏

وحج بالناس عبد الله بن الزبير‏.‏

وفيها توفي ربيعة بن كعب الأسلمي من أهل الصفة روى له مسلم‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ذراعان وسبعة أصابع مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وأربعة أصابع‏.‏

السنة الثانية من ولاية سعيد بن يزيد على مصر وهي سنة أربع وستين‏:‏ فيها حج بالناس عبد الله بن الزبير‏.‏

وكان عامله على المدينة أخوه عبيدة بن الزبير وعلى الكوفة عبد الله بن يزيد الخطمي وولى قضاءها سعيد بن نمران وأبى شريح أن يقضي في الفتنة وعلى البصرة عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي وعلى قضائها هشام بن هبيرة وعلى خراسان عبد الله بن خازم‏.‏

وفيها توفي مسلم بن عقبة المسمى مسرفًا المقدم ذكره في وقعة الحرة‏.‏

قال محمد بن جرير الطبري‏:‏ ولما فرغ مسلم من وقعة الحرة توجه إلى مكة واستخلف على المدينة روح بن زنباع الجذافي فأدرك مسلمًا الموت فعهد بالأمر إلى الحصين بن نمير‏.‏

وذكر الذهبي رحمه الله أن مسلمًا هذا أدرك النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قلت‏:‏ ولهذا أمسكنا عن الكلام في أمره‏.‏

وشهد مسلم صفين مع معاوية وكان على الرجالة‏.‏

وفيها توفي الخليفة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وقد تقدم نسبه في ترجمة أبيه معاوية مات في نصف شهر ربيع الأول‏.‏

وكان بويع الخلافة بعد موت أبيه معاوية في شهر رجب سنة ستين فكانت خلافته ثلاث سنين وسبعة أشهر وأيامًا وكان فاسقًا قليل الدين مدمن الخمر وهو القائل‏:‏ الطويل أقول لصحبٍ ضمت الكأس شملهم وداعي صبابات الهوى يترنم خنوا بنصيبٍ من نعيم ولذةٍ فكل وإن طال المدى يتصرم وله أشياء كثيرة غير ذلك غير أنني أضربت عنها لشهرة فسقه ومعرفة الناس بأحواله‏.‏

وقد قيل‏:‏ إن رجلًا قال في مجلس عمر بن عبد العزيز عن يزيد هذا أمير المؤمنين فقال له عمر بن عبد العزيز‏:‏ تقول‏:‏ أمير المؤمنين‏!‏ وأمر به فضرب‏.‏

عشرين سوطًا تعزيرًا له‏.‏

ولما مات يزيد هذا ولي الخلافة من بعده ابنه معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ثالث خلفاء بني أمة وكان رجلًا صالحًا فلم يرد الخلافة وخلع نفسه منها ومات بعد قليل‏.‏

خلافة معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي ثالث خلفاء بني أمية ووفاته كنيته أبو عبد الرحمن ويقال‏:‏ أبو يزيد‏.‏

بويع الخلافة بعد موت أبيه يزيد بعهد منه إليه وذلك في شهر ربيع الأول من سنة أربع وستين وكان مولده سنة ثلاث وأربعين فلم تطل مدته في الخلافة‏.‏

قال أبو حفص الفلاس‏:‏ ملك أربعين ليلة ثم خلع نفسه فإنه كان رجلًا صالحًا ولهذا يقال في حق أبيه‏:‏ يزيد شر بين خيرين يعنون بذلك بين أبيه معاوية بن أبي سفيان وابنه معاوية هذا‏.‏

وقيل‏:‏ إن معاوية هذا لما أراد خلع نفسه جمع الناس وقال‏:‏ أيها الناس ضعفت عن أمركم فاختاروا من أحببتم فقالوا‏:‏ ول أخاك خالدًا‏.‏

فقال‏:‏ والله ما ذقت حلاوة خلافتكم فلا أتقلد وزرها‏.‏

ثم صعد المنبر فقال‏:‏ أيها الناس إن جدي معاوية نازع الأمر أهله ومن هو أحق به منه لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو علي بن أبي طالب وركب بكم ما تعلمون حتى أتته منيته فصار في قبره رهينًا بذنوبه وأسيرًا بخطاياه ثم قلد أبي الأمر فكان غير أهل لذلك وركب هواه وأخلفه الأمل وقصر عنه الأجل وصار في قبره رهينًا بذنوبه وأسيرًا بجرمه ثم بكى حتى جرت دموعه على خديه ثم قال‏:‏ إن من أعظم الأمور علينا علمنا بسوء مصرعه وبؤس منقلبه وقد قتل عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأباح الحرم وخرب الكعبة وما أنا بالمتقفد ولا بالمتحمل تبعاتكم فشأنكم أمركم والله لئن كانت الدنيا خيرًا فلقد نلنا منها حظًا ولئن كانت شرًا فكفى ذرية أبي سفيان ما أصابوا منها ألا فليصل بالناس حسان ابن مالك وشاوروا في خلافتكم رحمكم الله‏.‏

ثم دخل منزله وتغيب حتى مات في سنته بعد أيام‏.‏

وفيها توفي شداد بن أوس بن ثابت وهو ابن أخي حسان بن ثابت‏.‏

وفيها توفي المسور بن مخرمة بمكة في اليوم الذي ورد فيه خبر موت يزيد بن معاوية‏.‏

وكان سبب موته أنه أصابه حجر منجنيق في جانب وجهه فمرض أيامًا ومات‏.‏

وفيها وثب مروان بن الحكم على الأمر وبويع له بالخلافة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربعة أذرع وثمانية عشر إصبعًا مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وسبعة أصابع‏.‏